جلس كريم البالغ من العمر 36 عاماً في زاوية شارع صاخب في عمان ينادي المارة لإلقاء نظرة على بضاعته. إذا كان محظوظاً اليوم يكسب 30 دولار أمريكي من بيع الأحذية المستخدمة أو يعود أدراجه دون فلس مثل أغلب الأحيان.
منذ عامٍ فقط، كان للعالم وجه آخر بالنسبة إلى هذا المهندس الصاعد الذي كان يصمم ناطحات السحاب في الخليج على مدى أكثر من 10 سنوات لحين اكتشاف إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية. يفرض القانون على العمال الأجانب العاملين في معظم دول الخليج إجراء فحص فيروس نقص المناعة البشرية عند تجديد رخص العمل.
امتثل كريم للإجراء القانوني دون أن تساوره أدنى الشكوك، ولكن عند ذهابه لأخذ النتائج تفاجئ بالشرطة في انتظاره. أُبلغ انه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية وسرعان ما تم اعتقاله وترحيله إلى بلده.
ويقول متذكراً: “صُدمت كلياً والأسوأ من ذلك انه تمت معاملتي كالمجرمين. تم ترحيلي في غضون 48 ساعة دون أن أحظى بفرصة توديع أصدقائي أو ترتيب أمور حياتي. فتكفلوا بإعلام أرباب عملي والسفارة الأردنية بوضعي. كل هذا حصل دون موافقتي”.
وبعد أن قضى كريم ليلةً في السجن، سُمح له بالذهاب إلى شقته في ظل رقابة مشددة من اجل حزم أمتعته ومن ثم رافقته الشرطة إلى الطائرة. وشق الرجل المدّمر طريقه لدى وصوله إلى منزل أهله في عمان لكنه لم يجد الشجاعة الكافية لإخبارهم حقيقة وضعه.
وأضاف قائلاً: “لم استطع إخبار والدتي ووالدي. فهذا عارٌ كبير أتسبب به للأسرة. ولم أكن اعرف الكثير عن فيروس نقص المناعة البشرية وشعرت بأنه لا يوجد احد التجئ إليه”.
وتقرب كريم من مركز الاستشارات الطوعية والفحوصات المدعوم من الحكومة والذي يُعنى بالأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية. قدم له المركز العلاج المضاد للفيروسات والمنقذ للحياة وكذلك المعلومات والنصائح المهمة والضرورية حول كيفية العيش مع فيروس نقص المناعة البشرية.
وبعد فترة، اخبر كريم عائلته بمرضه فوقفوا إلى جانبه وساعدوه طوال فترة العلاج. ويعيش كريم اليوم حياة صحية بفضل الأدوية والدعم الذي يقدمه المركز.
إلا إن إيجاد عمل لم يكن بالأمر السهل.
ويُضيف كريم قائلاً: “لا استطيع العمل في القطاع العام لأنه سيتم إقصائي مباشرةً بسبب الفحص الإلزامي لفيروس نقص المناعة البشرية. وبدأت مؤخراً العديد من الشركات الخاصة إجراء مثل هذه الفحوصات لاستبعاد الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية. أجريت عدة مقابلات – مقابلة بعد مقابلة – لكن ينتهي الأمر مجرد ما أن كنت أُطالب بإجراء الفحص”.
لا يزال كريم في عز عطائه ولا يشكل أي تهديد على زملائه شأنه شأن تسعة من أصل عشرة أشخاص متعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية في العالم. إلا إن هؤلاء الأشخاص لا يزالون يواجهون التمييز في العمل بسبب المعلومات الخاطئة الرائجة حول حالتهم والسياسات الغريبة مثل الفحص الإلزامي لفيروس نقص المناعة البشرية الذي يقصيهم بالكامل عن مكان العمل.
وبعد أشهر من البحث والسعي للحصول على عمل، توجه كريم إلى القطاع غير النظامي لمحاولة كسب لقمة العيش.
ويشتكي قائلاً: “انتقلت من الهندسة إلى البيع في الشوارع. وذهبت كل سنوات الخبرة والمؤهلات سداً بسبب الوصمة المرتبطة بوضعي”.
فبغياب نظام يعوض على الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في الأردن، لم يستطع كريم البقاء دون دخل، خاصةً وان والدَيه المتقاعدَين يعتمدان على دعمه المادي أيضاً.
“لم استطع البقاء دون عمل فكان والدَي الكبار في السن يعتمدان على التحويلات التي كنت أرسلها عندما كنت اعمل في الخارج. كنت أعوض عن معاشاتهم التقاعدية. أما الآن فكلنا نعاني”.
كريم هو واحد من حوالي مليون شخص يعيش مع فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك الخاص بفيروس مقص المناعة البشرية (الايدز) بمناسبة اليوم العالمي للإيدز 2011، وصل عدد الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية إلى 59000 حالة، أما عدد الوفيات المرتبطة بالإيدز وصل إلى 35000 في العام 2010.